فصل: ذكر ما فعله بغا بالأعراب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **


  ذكر وفاة عبد الله بن طاهر

وفيها مات عبد الله بن طاهر بنيسابور في ربيع الأول وهو أمير خراسان وكان إليه الحرب والشرطة والسواد والري وطبرستان وكرمان وخراسان وما يتصل بها وكان خراج هذه الأعمال يوم مات ثمانية وأربعين ألف ألف درهم وكان عمره ثمانيا وأربعين سنة وكذلك عمر والده طاهر واستعمل الواثق على أعماله كلها ابنه طاهر بن عبد الله‏.‏

  ذكر شيء من سيرة عبد الله بن طاهر

لما ولي عبد الله خراسان استناب بنيسابور محمد بن حميد الطاهري فبنى دارا وخرج بحائطها في الطريق فلما قدمها عبد الله جمع الناس وسألهم عن سيرة محمد فسكتوا فقال بعض الحاضرين‏:‏ سكوتهم يدل على سوء سيرته فعزله عنهم وأمره بهدم ما بنى في الطريق‏.‏

وكان يقول‏:‏ ينبغي أن يبذل العلم لأهله وغير أهله فإن العلم أمنع لنفسه من أن يصير إلى غير أهله‏.‏

وكان يقول‏:‏ سمن الكيس ونيل الذكر لا يجتمعان أبدا‏.‏

وكان له جلساء منهم الفضل بن محمد بن منصور فاستحضرهم يوما فحضروا وتأخر الفضل ثم حضر فقال له‏:‏ أبطأت عني فقال‏:‏ كان عندي أصحاب حوائج وأردت دخول الحمام فأمره عبد الله بدخول حمامه وأحضر عبد الله الرقاع التي في حقه فوقع فيها كلها بالإجابة وأعادها ولم يعلم الفضل‏.‏

وخرج من الحمام واشتغلوا يومهم وبكر أصحاب رقاع إليه فاعتذر إليهم فقال بعضهم‏:‏ أريد رقعتي فأخرجها ونظر فيها فرأى خط عبد الله فيها فنظر في الجميع فرأى خطه فيها فقال لأصحابه‏:‏ خذوا رقاعكم فقد قضيت حاجاتكم واشكروا الأمير دوني فما كان لي فيها سبب‏.‏

وكان عبد الله أديبا شاعرا فمن شعره‏:‏ فإذا أسقطت منه فاءه كان نعتا لهواه المختزن فإذا أسقطت منه ياءه صار فيه بعض أسباب الفتن فإذا أسقطت منه راءه صار شيئًا يعتري عند الوسن فإذا أسقطت منه طاءه صار منه عيش سكان المدين فسروا هذا فلن يعرفه غير من يسبح في بحر الفطن وهذا الاسم هواسم طريف غلامه‏.‏

وكان من أكثر الناس بذلًا للمال مع علم ومعرفة وتجربة واكثر الشعراء في مراثيه فمن أحسن ما قيل فيه في ولاية أبيه طاهر قول أبي الغمر الطبري‏:‏ فأيامك الأعياد صارت مآتمًا وساعاتك الغضبات صارت خواشعا على أننا لم نفتقدك بطاهر وإن كان خطبًا يقلق القلب راتعًا وما كنت إلا الشمس غابت وأطلعت على إثرها بدرًا على الناس طالعًا وما كنت إلا الطود زال مكانه وأثبت في مثواه ركنًا مدافعًا فلولا التقى قلنا تناسختما معًا بديعي معان يفضلان البدائعا في هذه السنة خرج المجوس من أقاصي بلاد الأندلس في البحر إلى بلاد المسلمين وكان ظهورهم في ذي الحجة سنة تسع وعشرين عند أشبونة فأقاموا ثلاثة عشر يوما بينهم وبين المسلمين بها وقائع ثم ساروا إلى قادس ثم إلى شدونة فكان بينهم وبين المسلمين بها وقائع‏.‏

ثم ساروا إلى إشبيلية ثامن المحرم فنزلوا على اثني عشر فرسخًا منها فخرج إليهم كثير من المسلمين فالتقوا فانهزم المسلمون ثاني عشر المحرم وقتل كثير منهم ثم نزلوا على ميلين من إشبيلية فخرج أهلها إليهم وقاتلوهم فانهزم المسلمون رابع عشر المحرم وكثر القتل والأسر فيهم ولم ترفع المجوس السيف عن أحد ولا عن دابة ودخلوا حاجز إشبيلية وأقاموا به يومًا وليلة وعادوا إلى مراكبهم‏.‏

وأقام عسكر عبد الرحمن صاحب البلاد مع عدة من القواد فتبادر إليهم المجوس فثبت المسلمون وقاتلوهم فقتل من المشركين سبعون رجلًا وانهزموا حتى دخلوا مراكبهم وأحجم المسلمون عنهم فسمع عبد الرحمن فسير جيشًا آخر غيرهم فقاتلوا المجوس قتالًا شديدا فرجع المجوس عنهم فتبعهم العسكر ثاني ربيع الأول وقاتلوهم وأتاهم المدد من كل ناحية ونهضوا لقتال المجوس من كل جانب فخرج إليهم المجوس وقاتلوهم فكاد المسلمون ينهزمون ثم ثبتوا فترجل كثير منهم فانهزم المجوس وقتل نحوخمس مائة رجل وأخذوا منهم أربعة مراكب ثم خرج المجوس إلى لبلة فأصابوا سبيًا ثم نزل المجوس إلى جزيرة قريب قوريس فنزلوهان وقسموا ما كان معهم من الغنيمة فحمي المسلمون ودخلوا إليهم في النهر فقتلوا من المجوس رجلين ثم رحل المجوس فطرقوا شدونة فغمنوا طعمة وسبيا وأقاموا يومين‏.‏

ثم وصلت مراكب لعبد الرحمن صاحب الأندلس إلى إشبيلية فلما أحس بها المجوس لحقوا بلبلة فأغاروا وسبوا ثم لحقوا بأكشونية‏.‏

ثم مضوا إلى باجة ثم انتقلوا إلى مدينة أشبونة ثم ساروا فانقطع خبرهم عن البلاد فسكن الناس‏.‏

وقد ذكر بعض مؤرخي العرب سنة ست وأربعين خروج المجوس إلى إشبيلية أيضا وهي شبيهة بهذه ثم فلا أعلمه أهي هذه وقد اختلفوا في وقتها أم هي غيرها وما أقرب أن تكون هي هي وقد ذكرتها هناك لان في كل واحدة منهما شيئا ليس في الأخرى‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة مات محمد بن سعد بن منيع أبوعبد الله كاتب الواقدي صاحب الطبقات ومحمد بن يزداد بن سويد المروزي كاتب المأمون وعلي بن الجعد أبوالحسن الجوهري وكان عمره ستًا وتسعين سنة وهومن مشايخ البخاري وكان يتشيع‏.‏

وفيها مات أشناس التركي بعد موت عبد الله بن طاهر بتسعة أيام وحج هذه السنة إسحاق بن إبراهيم بن مصعب وإليه أحداث الموسم وحج بالناس هذه السنة محمد بن داود‏.‏

 حوادث سنة إحدى وثلاثين ومائتين

  ذكر ما فعله بغا بالأعراب

في هذه السنة قتل أهل المدينة من كان في حبس بغا من بني سليم وبني هلال‏.‏

وكان سبب ذلك أن بغا لما حبس من أخذه من بني سليم وبني سليم وبني هلال بالمدينة وهم ألف وثلاثمائة وكان سار عن المدينة إلى بني مرة فنقبت الأسرى الحبس ليخرجوا فرأت امراة النقب فصرخت بأهل المدينة فجاؤوا فوجدوهم قد قتلوا المتوكلين وأخذوا سلاحهم فاجتمع عليهم أهل المدينة ومنعوهم الخروج وباتوا حول الدار فقاتلوهم فلما كان الغد قتلهم أهل المدينة وقتل سودان المدينة كل من لقوه بها من الأعراب ممن يريد المبرة فلما قدم بغا وعلم بقتلهم شق ذلك عليه‏.‏

وقيل إن السجان كان قد ارتشي منهم ليفتح لهم الباب فجعلوا قبل ميعاده وكانوا يرتجزون‏:‏ الموت خير للفتى من العار قد اخذ البواب ألف دينار وكان سبب غيبة بغا عنهم أن فزارة ومرة تغلبوا على فدك فلما قاربهم أرسل إليهم رجلًا من قواده يعرض عليهم الأمان ويأتيه بأخبارهم فلما أتاهم الفزاري حذرهم سطوته فهربوا وخلوا فدك وقصدوا الشام‏.‏

وأقام بغا بحيفا وهي من حد عمل الشام مما يلي الحجاز نحوًا من أربعين ليلة ثم رجع إلى المدينة بمن ظفر به من بني مرة وفزارة‏.‏

وفيها سار إلى بغا من بطون غطفان وفزارة وأشجع وثعلبة جماعة وكان أرسل إليهم فلما أتوه استحلفهم الأيمان المؤكدة أن لا يتخلفوا عنه متى دعاهم فحلفوا ثم سار إلى ضرية لطلب بني كلاب فأتاه منهم نحومن ثلاثة آلاف رجل فحبس من أهل الفساد نحوًا من ألف رجل وخلى سائرهم ثم قدم بهم المدينة في شهر روضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين فحبسهم ثم سار إلى مكة فحج ثم رجع إلى المدينة‏.‏

  ذكر أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي

وفي هذه السنة تحرك ببغداد قوم مع احمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي وجده مالك أحد نقباء بني العباس وقد تقدم ذكره‏.‏

وكان سبب هذه الحركة أن أحمد بن نصر كان يغشاه أصحاب الحديث كابن معين وابن الدورقي وأبي زهير وكان يخالف من يقول القرآن مخلوق ويطلق لسانه فيه مع غلظة بالواثق وكان يقول إذا ذكر الواثق‏:‏ فعل هذا الخنزير وقال هذا الكافر وفشا ذلك فكان يغشاه رجل يعرف بأبي هارون الشداخ وآخر يقال له طالب وغيرهما ودعوا الناس إليه فبايعوه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفرق أبوهارون وطالب في الناس مالًا فأعطيا كل رجل دينارا واتعدوا ليلة الخميس لثلاث خلت من شعبان ليضربوا الطبل فيها ويثوروا على السلطان‏.‏

وكان أحدهما في الجانب الشرقي من بغداد والآخر في الجانب الغربي فاتفق أن ممن بايعهم رجلين من بني الأشرس شربا نبيذًا ليلة الأربعاء قبل الموعد بليلة فلما اخذ منهم ضربوا الطبل فلم يجبهم أحد‏.‏

وكان إسحاق بن إبراهيم صاحب الشرطة غائبًا عن بغداد وخليفته أخوه محمد بن إبراهيم فأرسل إليهم محمد يسألهم عن قصتهم فلم يظهر أحد فدل على رجل يكون في الحمام مصاب العين يعرف بعيسى الأعور فأحضره وقرره فأقر على بني الأشرس وعلى أحمد بن نصر وغيرهما فأخذ بعض من سمي وفيهم طالب وأبوهارون ورأى في منزل بني الأشرس علمين أخضرين ثم أخذ خادمًا لأحمد بن نصر فقرره فأقر بمثل ما قال عيسى فأرسل إلى أحمد بن نصر فأخذه وهوفي الحمام وحمل إليه وفتش بيته فلم يوجد فيه سلاح ولا شيء من الآلات فسيرهم محمد بن إبراهيم إلى الواثق مقيدين على أكف بغال ليس تحتهم وطاء إلى سامرا‏.‏

فلما علم الواثق بوصولهم جلس لهم مجلسًا عامًا فيه أحمد بن أبي دؤاد وكان كارها لقتل احمد بن نصر فلما حضر أحمد عند الواثق لم يذكر له شيئًا من فعله والخروج عليه ولكنه قال له‏:‏ ما تقول في القرآن قال‏:‏ كلام الله وكان أحمد قد استقتل فتطيب وتنور وقال الواثق‏:‏ أمخلوق هو قال‏:‏ كلام الله‏.‏

قال‏:‏ فما تقول في ربك أتراه يوم القيامة قال‏:‏ يا أمير المؤمنين‏!‏ قد جاءت الأخبار عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال‏:‏ ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر قال‏:‏ لا تضامون في رؤيته فنحن على الخبر وحدثني سفيان بحديث رفعه‏:‏ أن قبل ابن آدم المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو‏:‏ يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك‏.‏

قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ انظر ما يقول‏.‏

قال‏:‏ أنت أمرتني بذلك فخاف إسحاق وقال‏:‏ أنا أمرتك قال‏:‏ نعم أمرتني أن أنصح له ونصيحتي له أن لا يخالف حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال الواثق لمن حوله‏:‏ ما تقولون فيه فقال عبد الرحمن بن إسحاق وكان قاضيًا على الجانب الغربي‏:‏ وعزك يا أمير المؤمنين هوحلال الدم‏.‏

وقال بعض أصحاب ابن أبي دؤاد‏:‏ اسقني دمه وقال ابن أبي دؤاد‏:‏ هو كافر يستتاب لعل به عاهة ونقص عقل كأنه كره أن يقتل بسببه فقال الواثق‏:‏ إذا رأيتموني قد قمت إليه فلا يقومن أحد فإني أحتسب خطاي إليه‏.‏

ودعا بالصمصامة سيف عمروبن معدي كرب الزبيدي ومشى إليه وهوفي وسط الدار على نطع فضربه على حبل عاتقه ثم ضربه خر على رأسه ثم ضرب سيما الدمشقي رقبته وحز رأسه وطعنه الواثق بطرف الصمصامة في بطنه وحمل حتى صلب عند بابك وحمل رأسه إلى بغداد فنصب بها وأقيم عليه الحرس وكتب في أذنه رقعة‏:‏ هذا رأس الكافر المشرك الضال احمد بن نصر وتتبع أصحابه فجعلوا في الحبوس‏.‏

  ذكر عدة حوادث

في هذه السنة أراد الواثق الحج فوجه عمر بن فرج لإصلاح الطريق فرجع وأخبره بقلة الماء فبدا له‏.‏

وفيها ولى جعفر بن دينار اليمن فسار في شعبان وحج في طريقه وكان معه أربعة آلاف فارس وألفا رجل‏.‏

وفيها نقب اللصوص بيت المال الذي في دار العامة وأخذوا اثنين وأربعين ألف درهم وشيئًا يسيرًا من الدنانير ثم تتبعوا وأخذوا بعد ذلك‏.‏

وفيها خرج محمد بن عبد الله الخارجي التغلبي في ثلاثة عشر رجلًا في ديار ربيعة فخرج إليه غامن بن أبي مسلم بن أحمد الطوسي وكان على حرب الموصل في مثل عدته فقتل من الخوارج أربعة وأخذ محمد بن عبد الله أسيرا فبعث به إلى سامرا فحبس‏.‏

وفيها قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان والجبال وفارس وكان قد سار في طلب الأكراد لأنهم كانوا قد أفسدوا بهذه النواحي وقدم معه نحومن خمس مائة نفس فيهم غلمان صغار فحبسوا وأجيز بخمسة وسبعين ألف دينار وقلد سيفًا‏.‏

وفيها سار جيش للمسلمين إلى بلاد المشركين فقصدوا جليقية وقتلوا وأسروا وسبوا وغمنوا ووصلوا إلى مدينة ليون فحصروها ورموها بالمجانيق فخاف أهلهأن فتركوها بما فيها وخرجوا هاربين فغمن المسلمون منهم ما أرادوا وأخربوا الباقي ولم يقدروا على هدم سورهأن فتركوها ومضوأن لأن عرضه سبعة عشر ذراعا وقد ثلموا فيه ثلمًا كثيرة‏.‏

وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم واجتمع المسلمون فيها على نهر اللامس على مسيرة يوم من طرسوس واشترى الواثق من بغداد وغيرها من الروم وعقد الواثق لأحمد بن سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي على الثغور والعواصم وأمره بحضور الفداء هووخاقان الخادم وأمرهما أن يمتحنا أسرى المسلمين فمن قال‏:‏ القرآن مخلوق وإن الله لا يرى في الآخرة فودي به وأعطي دينارأن ومن لم يقل ذلك ترك في أيدي الروم‏.‏

فلما كان في عاشوراء سنة إحدى وثلاثين اجتمع المسلمون ومن معهم من الأسرى على النهر وأتت الروم ومن معهم من الأسرى وكان النهر بين الطائفتين فكان المسلمون يطلقون الأسير فيطلق الروم من المسلمين فيلتقيان في وسط النهر ويأتي هذا أصحابه فإذا وصل الأسير إلى المسلمين كبروا وإذا وصل الأسير إلى الروم صاحوأن حتى فرغوا وكان عدة أسرى المسلمين أربعة آلاف وأربع مائة وستين نفسا والنساء والصبيان ثماني مائة وأهل ذمة المسلمين مائة نفس وكان النهر مخاضة تعبره الأسرى وقيل بل كان عليه جسر‏.‏

ولما فرغوا من الفداء غزا أحمد بن سعيد بن سلم الباهلي شاتيا فأصاب الناس ثلج ومطر فمات منهم مائتا نفس وأسر نحوهم وغرق بالبدندون خلق كثير فوجد الواثق على أحمد وكان قد جاء إلى أحمد بطريق من الروم فقال وجوه الناس لأحمد‏:‏ إن عسكرًا فيه سبعة آلاف لا تتخوف عليه فإن كنت كذلك فواجه القوم واطرق بلادهم ففعل وغمن نحوًا من ألف بقرة وعشرة آلاف شاة وخرج فعزله الواثق واستعمل مكانه نصر بن حمزة الخزاعي في جمادى

وفيها مات الحسن بن الحسين بطبرستان‏.‏

وفيها كان بإفريقية حرب بين أحمد بن الأغلب وأخيه محمد بن الأغلب وكان مع أحمد جماعة فهجموا على محمد في قصره وأغلق أصحاب محمد ابن الأغلب الباب واقتتلوا ثم كفوا عن القتال واصطلحوا وعظم أمر محمد ونقل الدواوين إليه ولم يبق لمحمد من الإمارة إلا اسمها ومعناها لأحمد أخيه فبقي كذلك إلى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين فاتفق مع محمد من بني عمه ومواليه جماعة قاتل أخاه أحمد فظفر به ونفاه إلى الشرق واستقام أمر محمد بإفريقية وما ت أخوه أحمد بالعراق‏.‏

وفيها مات أبوعبد الله محمد بن زياد المعروف بابن الأعرابي الرواية في شعبان وهوابن ثمانين سنة‏.‏

وفيها ماتت أم أبيها بنت موسى بن جعفر أخت علي الرضا عليه السلام‏.‏

وفيها مات مخارق المغني وأبونصر أحمد بن حاتم رواية الأصمعي وعمروبن أبي عمروالشيباني ومحمد بن سعدان النحوي الضرير توفي في ذي الحجة‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن عرعرة وعاصم بن علي بن عصم بن صهيب الواسطي ومحمد بن سلام بن عبد الله الجمحي البصري وكان عالمًا بالأخبار وأيام الناس سلام بالتشديد وعاصم بن

عمروبن علي بن مقدم أبوبشر المقدمي وأبويعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه صاحب الشافعي وكان قد حبس في محنة الناس بخلق القرآن فلم يجب وكان من الصالحين وهارون بن معروف البغدادي وكان حافظًا للحديث‏.‏

  حوادث سنة اثنتين وثلاثين ومائتين

  ذكر الحرب مع بني نمير

في هذه السنة سار بغا الكبير إلى بني نمير فأوقع بهم‏.‏

وكان سبب ذلك أن عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير الخطفي امتدح الواثق بقصيدة فدخل عليه وأنشده فأمر له بثلاثين ألف درهم فأخبر الواثق بإفساد بني منير في الراض وإغارتهم على الأنس وعلى اليمامة وما قرب منها وكتب الواثق إلى بغا يأمره بحربهم وهوبالمدينة فسار نحواليمامة فلقي من بني منير جماعة بالريف فحاربهم فقتل منهم نيفًا وخمسين رجلا وأسر أربعين رجلًا‏.‏

ثم سار حتى نزل مرأة وأرسل إليهم يدعوهم إلى السمع والطاعة فامتنعوا وسار بعضهم إلى نحوجبال السود وهي خلف اليمامة وبث بغا سراياه فيهم فأصابت منهم ثم سار بجماعة

من معه وهم نحومن ألف رجل سوى من تخلف في العسكر من الضعفاء والأتباع فلقيهم وقد جمعوا لهم وهم نحومن ثلاثة آلاف بموضع يقال له روضة الأمان على مرحلة من أضاخ فهزموا مقدمته وكشفوا ميسرته وقتلوا من أصحابه نحوًا من مائة رجل وعشرين رجلًا وعقروا من إبل عسكره نحوسبع مائة بعير ومائة دابة وانتهبوا الأثقال وبعض الأموال ثم أدركهم الليل وجعل بغا يدعوهم إلى الطاعة‏.‏

فلما طلع الصبح ورأوا قلة من مع بغا عبأوا وجعلوا رجالتهم أمامهم ونعمهم ومواشيهم وراءهم وحملوا على بغا فهزموه حتى بلغ معسكره وأيقن من معه بالهلكة‏.‏

وكان بغا قد أرسل من أصحابه مائتي فارس إلى طائفة منهم فبينا هوقد أشرف على العطب إذ وصل أصحابه إليه منصرفين من وجوههم فلما نظر بنومنير ورأوهم قد أقبلوا من خلفهم ولوا هاربين وأسلموا رجالتهم وأموالهم فلم يفلت من الرجالة إلا اليسير وأما الفرسان فنجوا على خيلهم‏.‏

وقيل إن الهزيمة كانت على بغا مذ غدوة إلى انتصاف النهار ثم تشاغلوا بالنهب فرجع إلى بغا من كان انهزم من أصحابه فرجع بهم فهزم بني منير وقتل فيهم من زوال الشمس إلى آخر وت العصر زهاء ألف وخمس مائة راجل وأقام بوقع الوقعة فأرسل أمراء العرب يطلبون الأمان

فأمنهم فأتوه فقيدهم وأخذهم معه إلى البصرة وكانت الوقعة في جمادى الآخرة‏.‏

ثم قدم واجب الأشروسني على بغا في سبع مائة مقاتل مددًا له فسيره بغا في آثارهم حتى بلغ تبالة من أعمال اليمن ورجع وكان بغا قد كتب إلى صالح أمير المدينة ليوافيه ببغداد بمن عنده من فزارة ومرة وثعلبة وكلاب ففعل فلقيه ببغداد فسارا جميعا وقدم بغا سامرا بمن بقي معه منهم سوى من هرب وقتل في الحروب يزيدون على ألفي رجل ومائتي رجل من منير وكلاب ومرة وفزارة وثعلبة وطيء‏.‏

  ذكر موت أبي جعفر الواثق

في هذه السنة توفي الواثق بالله أبوجعفر هارون بن محمد المعتصم في ذي الحجة لست بقين منه وكانت علته الاستسقاء وعولج بالإقعاد في تنور مسخن فوجد لذلك خفة فأمرهم من الغد بالزيادة في إسخانه ففعل ذلك وقعد فيه اكثر من اليوم الأول فحمي عليه فأخرج منه في محفة وحضر عنده احمد بن أبي دؤاد ومحمد بن عبد الملك الزيات وعمر بن فرج فمات فيها فلم يشعروا بموته حتى ضرب بوجهه المحفة فعلموا‏.‏

وقيل إن أحمد بن أبي دؤاد حضره عند موته وغمضه وقيل إنه لما حضر الوفاة جعل يردد

الموت فيه جميع الناس مشترك لا سوقة منهم تبقى ولا ملك ما ضر أهل قليل في تفاقرهم وليس يغني عن الأملاك ما ملكوا وأمر بالبسط فطويت وألصق خده بالأرض وجعل يقول‏:‏ يا من لا يزول ملكه ارحم من زال ملكه‏.‏

وقال احمد بن محمد الواثقي‏:‏ كنت فيمن يمرض الواثق فلحقه غشية وأنا وجماعة من أصحابه قيام فقلنا‏:‏ لوعرفنا خبره فتقدمت إليه فلما صرت عند رأسه فتح عينيه فكدت أموت من الخوف فرجعت إلى خلف وتعلقت قنبعة سيفي في عتبة المجلس فاندقت وسلمت من جراحه ووقفت في موقفي‏.‏

ثم إن الواثق مات وسجيناه وجاء الفراشون وأخذوا ما تحته في المجلس ورفعوه لأنه مكتوب عليهم واشتغلوا بأخذ البيعة وجلست على باب المجلس لحفظ الميت وورددت الباب فسمعت حسا ففتحت الباب وإذا جرذ قد دخل من بستان هناك فأكل إحدى عيني الواثق فقلت‏:‏ لا إله إلا الله هذه العين التي فتحها من ساعة فاندق سيفي هيبة لها صارت طعمة لدابة ضعيفة‏.‏

وجاؤوا فغسلوه فسألني أحمد بن أبي دؤاد عن عينه فأخرته بالقصة من أولها إلى آخرها

ولما مات صلى عليه أحمد وأنزله في قبره وقيل صلى عليه أخوه المتوكل ودفن بالهاروني بطريق مكة‏.‏

وكان مولده بطريق مكة وأمه أم ولد اسمها قراطيس ولما اشتد مرضه أحضر المنجمين منهم الحسن بن سهل فنظروا في مولده فقدروا له أن يعيش خمسين سنة مستأنفة من ذلك اليوم فلم يعش بعد قولهم إلا عشرة أيام ومات‏.‏

وكان أبيض مشربًا بحمرة جميلا ربعة حسن الجسم قائم العين اليسرى فيها نكتة بياض وكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة أيام وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وقيل ستًا وثلاثين سنة‏.‏

  ذكر بعض سيرة الواثق بالله

لما توفي المعتصم وجلس الواثق في الخلافة أحسن إلى الناس واشتمل على العلويين وبالغ في إكرامهم والإحسان إليهم والتعهد لهم بالأموال وفرق في أهل الحرمين أموالًا لا تحصى حتى إنه لم يوجد في أيامه بالحرمين سائل‏.‏

ولما توفي الواثق كان أهل المدينة تخرج من نسائهم كل ليلة إلى البقيع فيبكين عليه ويندبنه

ففعلوا ذلك بينهم مناوبة حزنًا عليه لما كان يكثر من الإحسان إليهم وأطلق في خلافته أعشار سفن البحر وكان مالًا عظيمًا‏.‏

قال الحسين بن الضحاك‏:‏ شهدت الواثق بعد أن مات المعتصم بأيام أول مجلس جلسه فغنته جارية إبراهيم بن المهدي‏:‏ ما درى الحاملون يوم استقلوا نعشه للثواء أم للبقاء فليقل فيك باكياتك ما شئ ن صباحا وعند كل مساء فبكى وبكينا معه حتى شغلنا البكاء عن جميع ما كنا فيه قال‏:‏ ثم تغنى بعضهم فقال‏:‏ ودع هريرة إن الركب مرتحل وهل تطيق وداعًا أيها الرجل فازداد الواثق بكاء وقال‏:‏ ما سمعت كاليوم تعزية بأب وتغنى نفسي ثم تفرق أهل المجلس‏.‏

قال‏:‏ وقال أحمد بن عبد الوهاب في الواثق‏:‏ أبت دار الأحبة أن تبينا أجدك ما رأيت بها معينا تقطع حسرة من حب ليلى نفوس ما أثبن ولا جزينا فصنعت فيه علم جارية صالح بن عبد الوهاب فغناه زرزر الكبير للواثق فسأله‏:‏ لمن هذا فقال‏:‏ لعلم فأحضر صالحًا وطلب منه شراءها فأهداها له فعوضه خمسة آلاف دينار فمطله بها ابن الزيات فأعادت الصوت فقال الواثق‏:‏ بارك الله عليك وعلى من رباك‏!‏ فقالت‏:‏ وما ينفع من رباني أمرت له بشيء فلم يصل إليه‏!‏ فكتب إلى ابن الزيات يأمره بإيصال المال إليه وأضعفه له فدفع إليه عشرة آلاف دينار وترك صالح عمل السلطان واتجر في المال‏.‏

وقال أبوعثمان المازني النحوي‏:‏ استحضرني الواثق من البصرة فلما حضرت عنده قال‏:‏ من خلفت بالبصرة قلت‏:‏ أختًا لي صغيرة‏.‏

قال‏:‏ فما قالت المسكينة قلت‏:‏ ما قالت ابنة الأعشى‏:‏ تقول ابنتي حين جد الرحيل أرانا سواء ومن قد يتم فيا أبتا لا تزل عندنا فإنا نخاف بأن تخترم أرانا إذا أضمرتك البلا د نجفى وتقطع منا الرحم قال‏:‏ فما رددت عليها قلت‏:‏ ما قال جرير لابنته‏:‏ ثقي بالله ليس له شريك ومن عند الخليفة بالنجاح فضحك وأمر له بجائزة سنية‏.‏

  ذكر خلافة المتوكل

وسب خلافته أنه مات الواثق حضر الدار أحمد بن أبي دؤاد وإيتاخ ووصيف وعمر بن فرج وابن الزيات وأبوالوزير أحمد بن خالد وعزموا على البيعة لمحمد بن الواثق وهوغلام أمرد قصير فألبسوه دراعة سوداء وقلنسوة فإذا هوقصير فقال وصيف‏:‏ أما تتقون الله تولون هذا الخلافة‏!‏ فتناظروا فيمن تولونه‏.‏

فذكروا عدة ثم أحضر المتوكل فلما حضر ألبسه أحمد بن أبي دؤاد الطويلة وعممه وقبل بين عينيه وقال‏:‏ السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته‏!‏ ثم غسل الواثق وصلي عليه ودفن‏.‏

وكان عمر المتوكل يوم بويع ستًا وعشرين سنة ووضع العطاء للجند لثمانية أشهر وأراد ابن الزيات أن يلقبه المنتصر فقال أحمد بن أبي دؤاد‏:‏ قد رأيت لقبًا أرجو أن يكون موافقا وهوالمتوكل على الله فأمر بإمضائه فكتب به إلى الآفاق‏.‏

وقيل بل رأى المتوكل في منامه قبل أن يستخلف كأن سكرًا ينزل عليه من السماء مكتوب عليه المتوكل على الله فقصها على أصحابه فقالوا‏:‏ هي والله الخلافة فبلغ ذلك الواثق فحبسه وضيق عليه وحج بالناس محمد ابن داود‏.‏

  ذكر عدة حوادث في هذه السنة أصاب الحجاج في العود عطش عظيم فبلغت الشربة عدة دنانير ومات منهم خلق كثير‏.‏وفيها غدر موسى بالأندلس وخالف على عبد الرحمن بن الحكم أمير الأندلس بعد أن كان قد وافقه وأطاعه وسير إليه عبد الرحمن جيشًا مع ابنه محمد‏.‏

وفيها كان بالأندلس مجاعة شديدة وقحط عظيم وكان ابتداؤه سنة اثنتين وثلاثين فهلك فيه خلق كثير من الآدميين والدواب ويبست الأشجار ولم يزرع الناس شيئا فخرج الناس هذه السنة يستسقون فسقوا وزرعوا وزال عن الناس القحط‏.‏

وفيها ولي إبراهيم بن محمد بن مصعب بلاد فارس‏.‏

وفيها غرق كثير من الموصل وهلك فيها خلق قيل كانوا نحومائة ألف إنسان وكان سبب ذلك أن المطر جاء بها عظيمًا لم يسمع بمثله بحيث أن بعض أهلها جعل سطلًا عمقه ذراع في سعة ذراع فامتلأ ثلاث دفعات في نحوساعة وزادت دجلة زيادة عظيمة فركب الماء الربض الأسفل وشاطئ نهر سوق الأربعاء فدخل كثيرًا من الأسواق فقيل إن أمير الموصل وهوغامن بن حميد الطوسي كفن ثلاثين ألفا وبقي تحت الهدم خلق كثير لم يحملوا سوى من حمله الماء‏.‏

وفيها أمر الواثق بترك أعشار سفن البحر‏.‏

وفيها توفي الحكم بن موسى ومحمد بن عامر القرشي مصنف الصوانيف وغيرها ويحيى بن يحيى الغساني الدمشقي وقيل سنة ثلاث وثلاثين وقيل غير ذلك وأبوالحسن علي بن المغيرة الأثرم النحوي اللغوي وأخذ العلم عن أبي عبيدة والأصمعي‏.‏

وفيها توفي عمروالناقد‏.‏